فصل: تفسير الآية رقم (80):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (79):

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
هذه الآية الكريمة جاءت في القسم الثاني من اليهود وهو المقابل للأميين.. وهم إما أميون لا يعلمون الكتاب.. وإما يعلمون ولكنهم يغيرون فيه ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله. ولذلك توعدهم الله تبارك وتعالى فقال: ويل لهم، وبدأ الآية بالوعيد بالجزاء مباشرة. نلاحظ أن كلمة ويل في اللغة تستعمل معها كلمتي ويح وويس.. وكلها تعني الهلاك والعذاب.. وتستعمل للتحسر على غفلة الإنسان عن العذاب.. واقرأ قوله تعالى: {ياويلتنا مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف: 49].
وقوله جل جلاله: {ياويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا} [الأنبياء: 97].
هذه الويلات تعني الحسرة وقت رؤية العذاب.. وقيل إن الويل وَادٍ في جهنم يهوي الإنسان فيه أربعين خريفا والعياذ بالله.. والحق تبارك وتعالى ينذر الذين يكتبون الكتاب بأيديهم أن عذابهم يوم القيامة سيكون مضاعفا.. لأن كل من ارتكب إثما نتيجة لتزييفهم للكتاب سيكونون شركاء وسيحملون عذابهم معهم يوم القيامة، وسيكون عذابهم مضاعفا أضعافا كثيرة.
يقول الحق سبحانه وتعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ}.. ألم يكن يكفي أن يقول الحق فويل للذين يكتبون الكتاب ويكون المعنى مفهوما.. يكتبون الكتاب بماذا؟ بأيديهم.. نقول لا.. لأن الفعل قد يتم بالأمر وقد يتم بالفعل.. رئيس الدولة مثلا يتصل بأحد وزرائه ويقول له ألم أكتب إليك كتابا بكذا فلماذا لم تنفذه؟ هو لم يكتب هذا الكتاب بيده ولكنهم كتبوه بأمره، ورؤساء الدول نادرا ما يكتبون كتبا بأيديهم.
إن الله سبحانه وتعالى يريد هنا أن يبين لنا مدى تعمد هؤلاء للإثم.. فهم لا يكتفون مثلا بأن يقولوا لغيرهم إكتبوا.. ولكن لاهتمامهم بتزييف كلام الله سبحانه وتزويره يقومون بذلك بأيديهم ليتأكدوا بأن الأمر قد تم كما يريدون تماما.. فليس المسألة نزوة عابرة.. ولكنها مع سبق الإصرار والترصد.. وهم يريدون بذلك أن يشتروا ثمنا قليلا، هو المال أو ما يسمى بالسلطة الزمنية.. يحكمون ويكون لهم نفوذ وسلطان.
ولقد كان أهل الكتاب في الماضي إذا اختلفوا في شيء.. ذهبوا إلى الكهان والرهبان وغيرهم ليقضوا بينهم.. لماذا؟ لأن الناس حين يختلفون يريدون أن يستتروا وراء ما يحفظ كبرياءهم إن كانوا مخطئين.. يعني لا أنهزم أمامه ولا ينهزم أمامي.. وإنما يقولون ارتضينا حكم فلان.. فإذا كنا سنلجأ إلى تشريع السماء ليحكم بيننا.. لا يكون هناك غالب ومغلوب أو منهزم ومنتصر.. ذلك حين أخضع أنا وأنت لحكم الله يكون كل منا راضيا بنتيجة هذا الحكم.
ولكن رجال الدين اليهودي والمسيحي أخذوا يصدرون فتاوى متناقضة.
كل منهم حسب مصلحته وهواه.. ولذلك تضاربت الأحكام في القضايا المتشابهة.. لأنه لم يعد الحكم بالعدل.. بل أصبح الحكم خاضعا لأهواء ومصالح وقضايا البشر.. وحين يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله.. إنما يريدون أن يخلعوا على المكتوب قداسة تجعل الإنسان يأخذه بلا مناقشة.. وبذلك يكونون هم المشرعين باسم الله، ويكتبون ما يريدون ويسجلونه كتابه، وحين أحس أهل الكتاب بتضارب حكم الدين بما أضافه الرهبان والأحبار، بدأوا يطلبون تحرير الحكم من سلطة الكنيسة.
ولكن لماذا يكتب هؤلاء الناس الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله؟!.. الحق سبحانه وتعالى يقول: {لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}.. وقد قلنا إن الإنسان لا يشتري الثمن.. ولكن يدفع الثمن ويشتري السلعة.. ولكنك هنا تدفع لتأخذ ثمنا.. تدفع من منهج الله وحكم الله فتغيره وتبدله لتأخذ ثمنا موقوتا.. والله سبحانه وتعالى يعطيك في الآخرة الكثير ولكنك تبيعه بالقليل.. وكل ثمن مهما بلغ تأخذه مقابل منهج الله يعتبر ثمنا قليلا.
والحق سبحانه وتعالى: يقول {فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ}.. الآية الكريمة بدأت بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ}.. ثم جاء قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.. فساعة الكتابة لها ويل وعذاب.. وساعة بيع الصفقة لها ويل وعذاب.. والذي يكسبونه هو ويل وعذاب.
لقد انتشرت هذه المسألة في كتابة صكوك الغفران التي كانت تباع في الكنائس لمن يدفع أكثر. والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.. وكلمة كسب تدل على عمل من أعمال جوارحك يجلب لك خيرا أو نفعا وهناك كسب وهناك اكتسب.. كسب تأتي بالشيء النافع، واكتسب تأتي بالشيء الضار.. ولكن في هذه الآية الكريمة الحق سبحانه وتعالى قال: {وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.. وفي آية ثانية قال: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً}.
فلماذا تم هذا الإستخدام؟ نقول إن هذا ليس كسبا طبيعيا، إنما هو افتعال في الكسب.. أي اكتساب.. ولابد أن نفهم إنه بالنسبة لجوارح الإنسان.. فإن هناك القول والفعل والعمل.. بعض الناس يعتقد إن هناك القول والعمل.. نقول لا.. هناك قول هو عمل اللسان.. وفعل هو عمل الجوارح الأخرى غير اللسان.. وعمل وهو أن يوافق القول الفعل.. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3].
إذن هناك قول وفعل وعمل.. والإنسان إذا استخدم جوارحه استخداما سليما بفعل ما هو صالح له.. فإذا انتقل إلى ما هو غير صالح إلى ما يغضب الله فإن جوارحه لا تفعل ولكنها تفتعل.
تتصادم ملكاتها بعضها مع بعض والإنسان وهو يفتح الخزانة ليأخذ من ماله يكون مطمئنا لا يخاف شيئا.. والإنسان حين يفتح خزانة غيره يكون مضطربا وتصرفاته كلها افتعال.. والإنسان مع زوجته منسجم في هيئة طبيعية، بعكس ما يكون في وضع مخالف.. إنها حالة افتعال.. وكل من يكسب شيئا حراما افتعله.. ولذلك يقال عنه اكتسب.. إلا إذا تمرس وأصبح الحرام لا يهزه، أو ممن نقول عنهم معتادو الإجرام.. في هذه الحالة يفعل الشيء بلا افتعال لأنه اعتاد عليه.. هؤلاء الذين وصلوا إلى الحد الذي يكتبون فيه بأيديهم ويقولون من عند الله.. أصبح الإثم لا يهزهم، ولذلك توعدهم الله بالعذاب مرتين في آية واحدة.

.تفسير الآية رقم (80):

{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}
هنا يكشف الله سبحانه وتعالى فكر هؤلاء الناس.. لقد زين لهم الشيطان الباطل فجعلهم يعتقدون أنهم كسبوا فعلا وأنهم أخذوا المال والجاه الدنيوي وفازوا به.. لأنهم لن يعذبوا في الآخرة إلا عذابا خفيفا قصيرا.. ولذلك يفضح الله تبارك وتعالى ما يقولونه بعضهم مع بعض.. ماذا قالوا؟: {وقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً}.
المس يعني اللمس الخفيف أو اقتراب شيء من شيء.. ولكن لا يحس أحدهما بالآخر إلا إحساسا خفيفا لا يكاد يذكر.. فإذا أتيت إلى إنسان ووضعت أَنَا مِلَكَ على يده يقال مسست.. ولكنك لم تستطع بهذا المس أن تحس بحرارة يده أو نعومة جلده.. ولكن اللمس يعطيك إحساسا بما تلمس: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} وهكذا أخذوا أقل الأقل في العذاب.. ثم أقل الأقل في الزمن فقالوا أياما معدودة.. الشيء إذا قيل عن معدود فهو قليل.. أما الشيء الذي لا يحصى فهو الكثير.. ولذلك حين يتحدث الله عن نعمه يقول سبحانه: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ} [النحل: 18].
فمجرد الإقبال على العد معناه أن الشيء يمكن إحصاؤه.. فإن لم يكن ممكنا لا يُقبل أحد على عده، ولا نرى من حاول عدَّ حبات الرمل أو ذرات الماء في البحار.. نِعَمُ الله سبحانه وتعالى ظاهرة وخفية لا يمكن أن تحصى، ولذلك لا يقبل لا يُقبل أحد على إحصائها.. وإذا سمعت كلمة (أياما معدودة) فأعلم أنها أيام قليلة.. ولذلك نرى في سورة يوسف قول الحق جل جلاله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20].
قولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة.. دليل على غبائهم لأن مدة المس لا تكون إلا لحظة.. ولكنها أماني وضعها الشيطان في عقولهم ليأتي الرد من الله في قوله سبحانه: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ} أي إذا كان ذلك وعداً من الله، فالله لا يخلف وعده. والله يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم لستم أنتم الذين تحكمون وتقررون ماذا سيفعل الله سبحانه وتعالى بكم.. بل هو جل جلاله الذي يحكم.. فإن كان قد أعطاكم عهدا فالله لا يخلف وعده.
وقوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.. هنا أدب النبوة والخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. فبدلا من أن يقول لهم أتفترون على الله أو أتكذبون على الله.. أو أتختلقون على الله ما لم يقله.. قال: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} إن الذي يختلق الكلام يعلم أنه مختلق.
إنه أول من يعلم كذب ما يقول، وقد يكون له حجة ويقنع من أمامه فيصدقه، ولكنه يظل يعلم إن ما قاله مختلق رغم أنهم صدقوه.. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها».
إذن مختلق الشيء يعرف إن هذا الشيء مختلق. وهؤلاء اليهود هم أول من يعلم إن قولهم.. {لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} قول مختلق.. ولكن لمن يقولون على الله ما هو افتراء وكذب؟ يقولون للأميين الذين لا يعرفون الكتاب.

.تفسير الآية رقم (81):

{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
أراد الله سبحانه وتعالى أن يوضح كذبهم.. فجاء القرآن قائلا: (بلى) وهي حرف جواب مثل نعم تماما.. ولكن (بلى) حرف جواب في النفي.. يعني ينفي الذي قبله.. هم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ورسول الله سألهم هل اتخذوا عند الله عهدا أو يقولون على الله ما لا يعلمون، فجاء القرآن ليقول: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.. بداية الجواب ببلى تنفي ما قالوا.. لأن بلى تأتي بعد النفي.. ونعم تأتي بعد الإجابة.. فإذا قال إنسان ليس لك عندي شيء وقلت نعم، فمعناها أنه صحيح أنك ليس لك عندي شيء.. أما إذا قلت بلى، فمعنى ذلك أن لك عندي شيئا أو أشياء.. ولذلك بعد قولهم {لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً}.. لو جاء بعدها نعم، لكان قولهم صحيحا، ولكن بلى نفت.. وجاء الكلام بعدها مؤكدا النفي: {مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته فأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} هم قالوا لن تمسنا النار.. قال لن تمسكم فقط بل أنتم فيها خالدون.. وقوله تعالى: {أَصْحَابُ النار}.. الصحبة تقتضي نوعا من الملازمة فيها تجاذب المتصاحبين.. ومعنى ذلك أنه سيكون هناك تجاذب بينهم وبين النار.
هنا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال: {بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً}.. وكان السياق يقتضي أن يقال اكتسب.. ولكن لأنهم ظنوا أنهم كسبوا.. كما بينا في الآية السابقة.. وقوله تعالى: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته}.. إحاطة بحيث لا يوجد منفذ للإفلات من الخطيئة لأنها محيطة به. وأنسب تفسير لقوله تعالى: {كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خطيائته}.. أن المراد الشرك.. لأن الشرك هو الذي يحيط بالإنسان ولا مغفرة فيه.. والله تعالى يقول: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ} [النساء: 48]

ولذلك فهؤلاء لم يكونوا عصاة فقط.. ولكنهم كانوا كافرين مشركين. والدليل قوله تعالى: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.. وأصحاب الصغائر أو الكبائر الذين يتوبون منها لا يخلدون في النار.. ولكن المشرك بالله والكافر به هم الخالدون في النار.. وكل من لم يؤمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كافر.. لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين} [آل عمران: 85].
ولذلك قلت هناك فرق بين.. الإنسان الذي يرتكب معصية لأنه لا يقدر على نفسه فيندم ويتوب.. وبين إنسان يفرح بالمعصية.. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السواء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [النساء: 17].
وهناك من يندم على المعصية وهذا له توبة.. وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}
عندما يذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم.. العذاب والنار، يأتي بالمقابل وهو النعيم والجنة.. وذلك أن المقابلة ترينا الفرق.. وتعطي للمؤمن إحساسا بالسعادة.. لأنه زحزح عن عذاب الآخرة، وليس هذا فقط.. بل دخل الجنة ليقيم خالدا في النعيم.. ولذلك يقول سبحانه: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
إذن الفوز في الآخرة ليس على درجة واحدة ولكن على درجتين.. أولى درجات الفوز أن يزحزح الإنسان على النار ولو إلى الأعراف وهذا فوز عظيم.. يكفي إنك تمر على الصراط المضروب فوق النار وترى ما فيها من ألوان العذاب، ثم بعد ذلك تنجو من هذا الهول كله.. يكفي ذلك ليكون فوزا عظيما.. لأن الكافر في هذه اللحظة يتمنى لو كان ترابا حتى لا يدخل النار.. فمرور المؤمن فوق الصراط ورؤيته للنار نعمة لأنه يحس بما نجا منه.. فإذا تجاوز النار ودخل إلى الجنة لينعم فيها نعيما خالدا كان هذا فوزاً آخر.. ولذلك حرص الله تبارك وتعالى أن يعطينا المرحلتين. فلم يقل: من زحزح عن النار فاز.. ولم يقل من أدخل الجنة فاز.. بل قال {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ}.. وجاءت هذه الآية الكريمة بعد آيات العذاب لتعطينا المقارنة.